الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ} في قصّة نوح وقال في قِصّة هود {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِيْنٌ} لأَنَّ ما في هذه الآية {أُبَلِّغُكُمْ} بلفظ المستقبل، فعطف عليه {وَأَنصَحُ لَكُمْ} كما في الآية الأُخرى {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ}فعطف الماضى على الماضى، فكن في قصّة هود قابل باسم الفاعل قولهم له {وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِين} ليقابَل الاسم بالاسم.قوله: {أُبَلِّغُكُمْ} في قصّة نوح وهود بلفظ المستقبل وفى قصّة صالح وشعيب {أَبْلَغْتُكُمْ} بلفظ الماضى، لأَنَّ ما في قصّة نوح وهود وقع في ابتداءِ الرّسالة، وما في قصّة صالح وشُعَيب وقع في آخر الرّسالة، ودُنوّ العذاب.قوله: {رِسَالاَتُ رَبِّي} في القِصَصِ إِلاَّ في قصّة صالح؛ فإِنَّ فيها {رسالة} على الواحدة لأَنَّه سبحانه حَكَى عنهم بعد الإِيمان بالله والتقوى أَشياءَ أُمِروا بها إِلاَّ في قصّة صالح؛ فإِنَّ فيها ذكر الناقة فقط، فصار كأَنَّه رسالة واحدة.وقوله: {بِرِسَالاَتِي وبِكَلاَمِي} مختلف فيهما.قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} وفى يونس {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ} لأَنَّ أَنجينا ونجّينا للتَّعدّى، لكنَّ التشديد يدلّ على الكثرة والمبالغة، وكان في يونس {وَمَنْ مَعَهُ} ولفظ {من} يقع على أَكثر ممّا يقع عليه {الَّذين} لأَنَّ {مَن} يصلح للواحد والاثنين، والجماعة، والمذكر، والمؤَنَّث، بخلاف الذين فإِنَّه لجمع المذكر فحسب، وكان التَّشديد مع {مَن} أَليق.قوله: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفى هود، {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وفى الشعراءِ {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} لأَنَّ في هذه السّورة بالغ في الوعظ، فبالغ في الوعيد، فقال: {عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وفى هود لمّا اتَّصل بقوله: {تَمَتَّعُوْا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} وصفه بالقرب فقال: {عَذَابٌ قَرِيبٌ} وزاد فة الشعراءِ ذكر اليوم لأَنَّ قبله: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} والتقدير: لها شرب يوم معلوم، فختم الآية بذكر اليوم، فقال: عذاب يوم عظيم.قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} على الواحدة وقال: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}حيث ذكرَ الرّجفة وَهى الزلزلة وَحّد الدّار، وحيث ذكر الصّيحة جَمَعَ؛ لأَنَّ الصّيحة كانت من السّماءِ، فبلوغها أَكثر وأَبلغ من الزلزلة، فاتَّصل كلُّ واحد بما هو لائق به.قوله: {مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} وفى غيره {أَنْزَلَ} لأَنَّ أَفعل كما ذكرنا آنفًا للتعدّى، وفَعَّل للتعدّى والتَّكثير، فذكر في الموضع الأَوّل بلفظ المبالغة؛ ليجرى مجرى ذكر الجملة والتفصيل، أَو ذكر الجنس والنَّوع، فيكون الأَوّل كالجنس، وما سواه كالنَّوع.قوله: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} في هذه السّورة، وفى غيرها {مِنَ الْجِبَال} لأَنَّ [ما] في هذه السّورة تقدّمه {مِنْ سُهُوْلِهَا قُصُورًا} فاكتفى بذلك.قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} وفى غيرها {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُفْسِدِينَ} لأَنَّ ما في هذه وافق ما بعده وهو قوله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.قوله: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} بالاستفهام، وهو استفهام تقريعٍ وتوبيخ وإشنكار، وقال بعده: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُوْنَ} فزاد مع الاستفهام {إِنَّ} لأَن التقريع والتَّوبيخ والإِنكار في الثانى أَكثر.ومثله في النَّمل: {أَتَأْتُوْنَ} وبعده أَئِنكم وخالف في العنكبوت فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} فجع بين أَئِنَّ وأَئن وذلك لموافقة آخِر القصّة، فإِنَّ في الآخر {إِنَّا مُنَجُّوْكَ} و{إِنَّا مُنْزِلُوْنَ} فتأَمّل فيه؛ فإِنَّه صعب المستخرج.قوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} هنا بلفظ الاسم، وفى النَّمل {قَوْمٌ تَجْهَلُوْنَ} بلفظ الفعل.أَو لأَنَّ كلّ إِسراف جهل وكلَّ جهل إِسراف، ثمّ ختم الآية بلفظ الاسم؛ موافقة لرءُوس الآيات المتقدّمة، وكلها أَسماءُ: للعالمين، الناصحين، جاثمين، كافرون، مؤْمنون، مفسدون.وفى النَّمل وافق ما قبلها من الآيات، وكلها أَفعال: تبصرون، يتَّقون، يعملون.قوله: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} بالواو في هذه السّورة.وفى سائر السّور {فما} بالفاءِ؛ لأَنَّ ما قبله اسم، والفاء للتعقيب، والتعقيب يكون مع الأَفعال.فقال في النَّمل {تَجْهَلُوْنَ فَمَا كَانَ} وكذلك في العنكبوت {وَتَأْتُوْنَ فِي نَادِيْكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ} وفى هذه السّورة {مُسْرِفُوْنَ وَمَا كَانَ}.قوله: {أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ} في هذه السّورة وفى النَّمل {أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ} ما في هذه السّورة كناية فسّرها ما في السورة التي بعدها، وهى النَّمل ويقال: نزلت النَّمل أَوَّلًا، فصرّح في الأُولى، وكَنَّى في الثانية.قوله: {كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} هاهنا، وفى النمل: {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} أي كانت في علم الله من الغابرين.قوله: {بَمِا كَذَّبُوْا مِنْ قَبْل} هنا وفى يونس {بِمَا كَذَّبُوْا بِهِ} لأَنَّ أَوّل القصّة هنا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ} وفى الآية {وَلَاكِن كَذَّبُواْ} وليس بعدها الباء، فخَتَم القصّة بمثل ما بدأَ به، فقال: كذَّبوا من قبل.وكذلك في يونس وافق ما قبله وهو {كَذَّبُوْهُ} {فَنَجَّيْنَاهُ} ثمّ {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} فخَتَم بمثل ذلك، فقال: {بِمَا كَذَّبُوْا بِهِ}.وذهب بعض أَهل العلم إِلى أَنَّ ما في حقِّ العقلاءِ من التكذيب فبغير الباء؛ نحو قوله: {كذَّبوا رسلى}، وكذَّبوه، وغيره؛ وما في حقِّ غيرهم بالباءِ؛ نحو {كَّذبوا بآياتنا} وغيرها.وعند المحقِّقين تقديره: فكذَّبوا رسلنا بردِّ آياتنا، حيث وقع.قوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ}، وفى يونس {نَطْبَعُ} بالنون؛ لأَنَّ في هذه السّورة قد تقدّم ذكر الله سبحانه بالتَّصريح، والكناية، فجمع بينهما فقال: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلوبِهِم} بالنّون، وختم الآية بالتَّصريح فقال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ} وأَمّا في يونس فمبنىّ على ما قبله: من قوله: {فَنَجَّيْنَاهُ} {وَجَعَلْنَاهُمْ} {ثُمَّ بَعَثْنَا} بلفظ الجمع، فختم بمثله، فقال: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوْبِ الْمُعْتَدِين}.قوله: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} وفى الشعراءِ {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ}؛ لأَنَّ التقدير في هذه الآية: قال الملأُ من قوم فرعون وفرعونُ بعضُهم لبعض، فحذف فرعون لاشتمال الملأ من قوم فرعون على اسمه؛ كما قال: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} أي آل فرعون وفرعون، فحذف فرعون، لأنَّ آل فرعون اشتمل على اسمه.فالقائل هو فرعون نفسه بدليل الجواب، وهو {أَرْجِه} بلفظ التوحيد، والملأ هم المقول لهم؛ إِذ ليس في الآية مخاطبون بقوله: {يُخْرِجُكُمْ مِنْ أَرَْضِكُمْ} غيرهم.فتأَمّل فيه فإِنَّه برهان للقرآن شاف.قوله: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} وفى الشعراءِ {مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} لأَنَّ الآية الأُولى في هذه السورة بنيت على الاقتصار وليس كذلك الآية الثانية، ولأَن لفظ السّاحر يدل على السّحر.قوله: {وَأَرْسِلْ}، وفى الشعراءِ: {وَابْعَثْ} لأَنَّ الإِرسال يفيد معنى البعث، ويتضمّن نوعًا من العُلُوّ؛ لأَنه يكون من فوق؛ فخُصّت هذه السّورة به، لمّا التبس؛ ليعلم أَنَّ المخاطَب به فرعون دون غيره.قوله: {بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيْمٍ} وفى الشُّعراءِ بكلِّ {سَحَّارٍ} لأَنَّه راعى ما قبله في هذه السّورة وهو قوله: {إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} وراعى في الشُّعراءِ الإِمامَ فإِنَّ فيه {بكلِّ سَحّار} بالأَلف وقرئَ في هذه السّورة {بِكُلِّ سَحَّارٍ} أَيضًا طلبا للمبالغة وموافقةً لما في الشعراءِ.قوله: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ قِرْعَوْنَ قَالُواْ} وفى الشعراءِ {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ} لأَنَّ القياس في هذه السّورة وجاءَ السّحرة فرعون وقالوا، أَو فقالوا، لابد من ذلك؛ لكن أَضمر فيه {فلمّا} فحسُن حذف الواو.وخصّ هذه السّورة بإِضمار {فلمّا} لأَنَّ ما في هذه السّورة وقع على الاختصار والاقتصار على ما سبق.وأَمَّا تقديم فرعون وتأْخيره في الشعراءِ لأَنَّ التَّقدير فيهما: فلمّا جاءَ السّحرة فرعون قالوا لفرعون، فأَظهر الأَول في هذه السّورة لأَنَّها الأُلى، ةأَظهر الثَّانى في الشَّعراءِ؛ لأَنَّها الثانية.قوله: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} وفى الشُّعراءِ {إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِيْنَ} {إِذًا} في هذه السّورةِ مضمرة مقدّرة؛ لأنَ {إِذًا} جزاء، ومعناه: إِن غَلبتم قرَبتكم، ورفعتُ منزلتكم.وخصّ هذه السّورة بالإِضمار اختصارًا.قوله: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وإِمَّا أَنْ نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} وفى طه {وَإِمَّا أَنْ نَّكُوْنَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} راعى في السّورتين أَواخر الآى.ومثله {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} سَاجِدِينْ في السّورتين، وفى طه {سُجَّدًا} وفى السْورتين أَيضًا {ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وليس في طه {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وفى السّورتين {رَبِّ مُوْسَى وَهَارُوْنَ} وفى طه {رَبِّ هَارُوْنَ وَمُوْسَى} وفى هذه السورة: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ} وفى الشعراءِ: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ لأُقَطِّعَنَّ} وفى طه {فلأُقَطِّعَنَّ} وفى السّورتين {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}، وفى طه: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِيْ جُذُوْعِ النَّخْلِ}.وهذا كلَّه لمراعاة فواصل الآى؛ لأَنَّها مرعيّة يبتنى عليها مسائل كثيرة.قوله: {ءَامَنْتُمْ بِهِ} وفى السّورتين: {آمنتم له} لأَنَّ هنا يعود إِلى ربّ العالمين وهو المؤْمن {به} سبحانه وفى السورتين يعود إِلى موسى؛ لقوله: {إِنَّهُ لَكَبِيْرُكُمْ} وقيل آمنتم به وآمنتم له واحد.قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ} وفى السورتين: قال آمنتم، لأَن هذه السورة مقدّمة على السَورتين فصرّح في الأُولى، وكَنَى في الأخريَيْن، وهو القياس: وقال الإِمام: لأَنَّ ما هنا بَعُد عن ذكر فرعون فصرّح وقرُب في السّورتين ذكرُه فكَنَى.قوله: {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ} وفى السّورتين {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ}؛ لأَنَّ {ثمّ} يدلُّ على أَنَّ الصَّلْب يقع بعد التقطيع، وإِذا دَلَّ في الأُولى عُلِمَ في غيرها، ولأَنَّ الواو يصلح لما يصلح له {ثمّ}.قوله: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُوْنَ} وفى الشعراءِ {لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُوْنَ} بزيادة {لاَ ضَيْرَ} لأَنَّ هذه السّورة اختُصِرَتْ فيها القِصَّة، وأَشبعت في الشعراءِ، وذكر فيها أَوّل أَحوال موسى مع فرعون، إِلى آخرها، فبدأَ بقوله: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} وخَتَمَ بقوله ثمّ {أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} فلهذا وقع زوائد لم تقع في الأَعراف وطه، فتأَمّل تعرف إِعجاز التنزيل.قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ} بغير واو على البدل.وقد سبق.قوله: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} هنا وفى يونس: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} لأَنَّ أَكثر ما جاءَ في القرآن من لفظ الضرّ والنفع معًا جاء بتقديم لفظ الضّرّ؛ لأَنَّ العابد يعبد معبوده خوفًا من عقابه أَوَّلًا، ثمَّ طمعًا في ثوابه ثانيًا.يقوّيه قوله: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}، وحيث تقدم النفع تقدّم لسابقة لفظ تضمّن نفعًا.وذلك في ثمانية مواضع: ثلاثة منها بلفظ الاسم، وهى هاهنا والرّعد وسبأ.وخمسة بلفظ الفعل وهى في الأَنعام {مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} وفى آخر يونس {مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} وفى الأَنبياءِ {مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ} وفى الفرقان {مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ} وفى الشعراءِ {أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} أَمّا في هذه السورة فقد تقدّمه {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ}فقدّم الهداية على الضَّلالة.وبعد ذلك {لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} فقدّم الخير على السّوءِ، فكذلك قدّم النَّفع على الضرّ وفى الرّعد {طَوْعًا وَكَرْهًا} فقدّم الطَّوع وفى سبأ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} فقدّم البسط.وفى يونس قدّم الضّرّ على الأَصلِ ولموافقته ما قبلها {لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ} وفيها {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ} فتكرّر في الآية ثلاث مرّات.وكذلك ما جاءَ بلفظ الفعل فلسابقة معنى يتضمّن فعلًا.أَمّا سورة الأَنعام ففيها {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُوْنِ اللهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيْعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا}، ثمّ وصلها بقوله: {قُلْ أَنَدْعُواْ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَالاَ يَنْفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} وفى يونس تقدّمه قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} ثمّ قال: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} وفى الأَنبياءِ تقدّمه قول الكفار لإِبراهيم في المجادلة {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ} وفى الفرقان تقدّمه قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} وعَدَّ نِعَمًا جَمّة في الآيات ثمّ قال: {وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُهُمْ} تأَمّل؛ فإِنه برهان ساطع للقرآن. اهـ.
|